في مثل هذه اليوم تحديدا .. من العام الهجري السابق .. كانت هناك زيارة استثنائية بمناسبة العيد .. يوم وقفة عرفات واليوم الاول من العيد .. لم أكن قد رأيت امي منذ ما يقرب من عشرين يوما .. فمن سجن الي سجن .. اتنقل .. وكأني مجرم خطر على امن مصر

كما اني قد فقدت الامل في رؤيتها في العيد في الزيارة الاستثنائية .. وقد بدأت الزيارت منذ ساعة مضت .. والاهالي جاءت .. ووضح لي انها ستأتي في معاد الزيارة الاولى العادية .. وبينما انا منشغل في الاستعداد لدوري في الحفلة التي اقمناها بمناسبة العيد .. جاء منادي .. وقال "محمد خيري زيارة" .. طبعا في البداية صدمت .. بل قل صعقت .. لقد بدأت الزيارت منذ ساعة مضت ... وها قد بدأ الإخوه الزملاء في الدخول الي الاسكتش .. .. فكرت هل هم .. اذا فهل اذهب ... واذا ذهبت ولم يكونوا ماذا سيحدث هنا من غيري .. وماذا لو لم يكونوا هم .. ودوري في الاسكتش

قلت لأخي من كفر الشيخ .. انا بفكر ما اطلعش .. فنظر لي .. و(زقني زي اللي عايز يخلص مني) ووجدت نفسي اجري تجاه الزنزانة .. واغير ملابسي .. واتبرفن .. واخرج لبوابة العنبر واملي اسمي للأمين ليعطيني تذكرتي .. واطير لمكان الزيارات .. كان اول مرة ارى فيها مكان الزيارات في السجن .. معذرة نسيت البطانية التي سأجلس عليها .. سأذهب لأحضارها واعود .. فرشت البطانية .. ووضعت هداياي .. وجهزت الكروت والورود .. والرسائل التي اوصاني بها اخوان الحب .. اخوان الاسكندرية .. ووقفت لكي المح وجوههم .. ها هم يخرجون .. لا ليسوا هم .. بل هم يخرجون .. لا لا ليسوا هم .. فنظرت الي السماء وبدأ عيني تدمع .. ..

ماذا ايكونون قد جاءوا لي هنا .. الم يكفهم ما فعلوه بي .. ماذا ينتظرون مني وقد حسمت معهم ..لكن .. ماذا لو لم يكونوا لا هم ولا هم .. ربما هم الإخوان جاءوا .. وما الذي سياتي بهم .. لا لا غير منطقي .. لكن محتمل .. ولماذا اتوا وحدهم .. ولماذا لم ياتوا بأمي .. لقد اوصيتهم بها .. لو رايتهم وهم قادمون وليسوا معهم امي .. سيكون لي عتاب شديد .. عنيف .. مستدركا أحدث نفسي .. لا لا .. ليسوا بالتأكيد .. هم إخوانك واحبابك وهم يعرفون ماذا تريد ..

وبدأت في تسلية وقتي بالمرور على اخواني .. فرأني احد اخوان الاسكندرية وقال .. اسمعت اسمك .. وابتسم ابتسامته التي لا اعلم ما سرها حتى الأن ووضع يده على صدري .. وقال ابشر .. فابشرت بعد ان بشرت .. وبدات في المشي هنا وهناك .. فرأيت رفيق الزنزانة .. المدون الذي جاء قبلي بثلاثة ايام .. بعد ان امضى ما يزيد عن الخمسة عشر يوما في المقر الرئيسي بأمن الدولة (بيتظبط) .. من اهل حلوان هو .. رأيته وهو يرى ابنته مريم لاول مرة .. ابنته التي ولدت وعلم بأنها .. ولدت لحظة دخوله للسجن .. منذ ما يقرب من عشرة ايام .. لم استطع ان امسك نفسي ان اغمز له بعيني .. (ايوه يا عم اللي اداك يدينا) .. ونظرت فوجدت طلبة جامعة المنوفية .. واخرين .. ولمحت اخرين كان من المفترض ان يشاركوا معي في العرض .. قد جاءوا بعد ان سمعوا اسمائهم في قائمة الزيارات

ذهبت لأجلس على البطانية .. يبدو ان الانتظار سيطول .. للعلم يا محمد .. يجب ان تبدو في احسن حال .. واياك والوهن .. ابدو في احسن صورة .. اجئت بالقلم الذي سأكتب به كلماتي لهم .. لا اتذكر .. لا يهم المهم الآن .. اين هم .... نعم ماذا تـ ..


وبعد ان وضعت الأكياس الضخمة الكثيرة على البطانية .. قلت ما كل هذا .. اجئتم بكل ما في الفيوم من طعام .. قالت لي لكي تأكل باقي الاسبوع .. (العين تنحول وتزغلل اثناء محاولة تخيل الوضع كل اسبوع من حمل كل هذا وليس من الاكل طبعا) .. يا امي .. يا اعقل من رأيت في حياتي ... كيف يمكنني حفظ كل هذا الاكل ... نحن في سجن .. سيفسد الطعام على صباح الغد .. قالت لي .. هذا ليس بشئ .. هناك اشياء سيدخلونها مباشرة الي العنبر حيث ستجد وستجد وستجد وستـ وسـ و ..

ابو خيري .. يا شديد .. ازيك عامل ايه .. .. فينك وبتعمل ايه .. واحوالك .. مصدوما .. مين احمد (احمد اخي من الرضاعة) .. ايه يا بني .. بالراحة عليا .. يقول ..ياللا بسرعة احكيلي .. استني يا دكتوره هكلمه بسرعة قبل ما اخرج .. اصلي قولتلهم اني زوج اختك .. فدخلوني على ان اخرج بعد عشر دقائق

ايه ده مش ممكن دخلت ازاي .. قالها احمد .. وهو ينظر للاخ الذي اشرف على الزيارة .. نعم اعرفه .. لقد رأيته مرة او مرتين فيما سبق .. لكني لا اعلم اسمه .. اهلا اخي .. الكريم كيف دخلت .. قال سيبها على ربك .. المهم قل لي ..


وازاي ستي وانتي عامله ايه .. قالتلي انت اللي عامل ايه .. قولي دلوقتي .. اخبارك بتعمل ايه وبتاكل ايه وبتنام فين .. وشكل وفصل وحصل ومحصلش وراح وجه .. طبعا الكلام اكثر من الوقت .. بكثير .. (في المعتاد) .. لكن طبعا (في حالتي) انهينا الكلام .. ومازال في وقت الزيارة بقية (اصلنا بنبقى مجهزين هنتكلم في ايه في ورقة (جدول الاعمال) قبل ما نتكلم في اي حاجه) .. فقلت لهم .. (انتو مش هتمشوا بقى) .. المهم .. ذهبت وحملت مريم .. ابنة اخي .. عبدالعزيز .. وذهبت بها لأمي .. ثم ذهبت بها الي الاخوان ليروها .. بارك الله فيها وانشأها نشأة صالحه ورزقها الجنة ووالديها .. (رأيت هذه الفتاة وقد كبرت واصبحت عروسة .. في حفل تكريمي بنقابة الصحفيين لأني من معتقلي غزة .. وبصدق كانت جميلة .. ايه رأيكم .. بس كانت بتعيط كتير .. بلاش لما تكبر شويه) .. المهم .. اوصيت امي .. واعطيتها الخطابات المعطره .. والغير معطره .. والكروت .. والهدايا والورود .. وبعثت لإخواني الرسائل .. طبعا بعد التوصية على رسائل جدتي .. (ادعو لها بالشفاء) .. .. ووصيتها بموضوع كده .. ربنا يسامحني .. كان انهي شيطان اللي خلاني افكر في دول .. والحمد لله رب العالمين

.. بالطبع لن اتكلم عما حدث في الطعام وكيفية دخوله للزنزانة .. وكيفية اكله وهضمه (وهي نقطة مهمه) .. وعن الحفلة .. وعن باقي اليوم .. المهم .. اني اكتب هذه الذكريات .. واحدث نفسي .. لقد كنت هناك وهكذا كان حالك .. وها أنت هنا وها هو حالك .. ستخرج للصلاة .. وتسلم على الناس بابتسامه قد تكون مفتعله .. وتبدأ في اجراءات العيد المعتادة .. من الجزار .. لتوزيع اللحوم .. ثم الجلود .. ثم ثم ثم ..

ولن تقضي العيد واليوم الاول منه على الاقل في السجن .. فما هو شعورك تجاه العيدين .. وما هو شعور من حولك في العيدين .. كيف انت وعلام تنوي ؟؟ اطرح السؤال وسأبدأ في التجهيز لصلاة الفجر .. واجيب في ذهني على الاسئلة .. استودعكم الله .. وعيد سعيد ..

=-: على الهامش

جزاكم الله خيرا امي .. لو بذلت نفسي كلها ما اوفيك حقك .. والله لو الامر بيدي لا اجد لك ثوابا الا الجنة .. لكن ليس الامر بيدي .. وقد سلمته لله .. فاللهم لا تعطيها الا الجنة
جزاكم الله خيرا اختي .. خير من يفهمني ويعينني ويتكلم معي .. جزاكم الله خيرا جدتي العزيزة .. وادعو الله ان يشفيك ويعافيك ويدخلك موضعك في الجنة عرفها لك
جزاكم الله خيرا احبابي واخواني .. والله لا اجد نفسي بدونكم .. هداني الله واياكم للتمكين